قصص قصيرة

قصص تجمع بين التجريب و السفر بين المغامرة و الرقة المتفتحة بين الاكتشاف و البحث في المبهم بطلها هلامي فهو تارة انهزامي غارق في السوداوية وهو تارة أخرى اندفاعي يمجد الانتماء و التألق و في كثير من الأحيان يتبدد تاركا مكانه للمكان ثم الزمان..

8/20/2006

قامات تحت المطر


عاصفة رهيبة تضرب ليل المدينة بشدّة.. رياح و أمطار راعدة.. البرق الشديد يكشف ثلاثة قامات بشرية تركض عبر الممرات المدرجة الملتوية.. الأيادي تقبض بإصرار رشاشات محشوة..طلاقات العيار تمزق الصمت، تعلن الطوارئ.. الموت في موقعه متخف يتربص..
هيا أسرعا بالفرار و أتمما المهمة.. أفلتا بجلدكما، سأحاول تعطيل سيرهم
ماذا؟ هل جننت لن نتركك.. بقاؤك يعني الفتك بك.. أنت وحدك و هم كثير..
فقال بحزم:أنا هنا لطلب الشهادة، هل نسيت؟
وقع أقدام غير بعيد أخذ يقترب..
هيا أسرعا العدو يقترب.. سأفاجئهم..
ربتا على كتفيه، وقد امتزجت في دخيلتهما مشاعر الإعجاب و الحزن.
قال أحدهما:لا تتهور.. سننتظرك..
و انطلقا في المنعرج المبلل دون أن يلتفتا خلفهما. فقد بات يقينيا أن رفيقهما مستشهد لا محالة ..
أقعى خلف الجدار الحجري و مسورة رشاشه تستقبل الآتي، محدثا نفسه بحزم:
أثبت يا سعيد.. الآن حياة إخوانك بين يديك.. أنت ستحدد مصير المهمة.. اليوم يومك يا رجل..
الطلقة الأولى خرقت صدر أول عسكري بان في الممر.. الطلقة الثانية أصابت الثاني و هو يرتمي خلف حائط صغير..وابل من الرصاص حط فوقه و قدامه.. موقعه كَشف.. سحب قنبلته اليدوية الوحيدة.. حدق فيها مليا.. قبلها
قائلا:على بركة الله يا رفيقتي.. مزقي غزاة الوطن..
القنبلة ترتفع تحت قصف البرق و المطر.. تخترق الليل كشهاب يحمل أكفانا ملتهبة و نعوش.. تسقط في تؤدة فوق الأدراج و تتدحرج.. تقف تحت ناظري الجنود المتمترسين و تدوي منفجرة كجبار يدافع الصمت الثقيل مخلفة دخانا و دم.. صياح و لعنة و رصاص عشوائي يلاحقه من بعيد و هو مندفع في الأزقة الضيقة..أدرك أن خطته نجحت في جلب العدو.. الطريق آمن الآن أمام رفقيه..أمامه حائط قصير.. تسلقه ببراعة و قفز.. وجد نفسه في فناء دار مغلقة الأبواب.. انتبه إلى السلالم.. تسلقها بخفة.. جسمه النحيف المشدود العضلات يساعده كثيرا على ذلك.. امتطى السطح الآخر، و جرى.. تعثر
بشيء خشبي.. ترنح.. لكنه حافظ على توازنه.. ألقى نظرة خاطفة.. العدو ما يزال بعيدا.. شيء ما ينغزه في كتفه الأيسر.. يؤلمه.. استند بجدار مجاور و تلمس قميصه المبلل.. تحسس ما تحته..إنها إصابة، قال بألم..ألقى نظرة خلفه ثم أمامه.. البرق يكشف له فناء منزل أسفله.. جمع كل ما تبقى له من قوة و قفز.. واجهه في الظلمة شيخ في عباءة نومه مهلوع.. لم يتهور.. حدس سرّ هذه الزيارة الليلية.. فأشار إليه بالدخول إلى البيت بسرعة.. استقبلتهما عجوز مرتعدة.. دلته على مدخل قبو ضيق في الغرفة.. فنزل إليه مهرولا و هو يترنح..العجوز تغلق باب القبو.. تسحب فوقه حصيرا مرقعا و لحافا.. تستلقي فوقه متصنعة النوم..بعد فترة، صوت ارتطام أقدام بإسفلت الفناء يصاحبه هرج وصياح..دقات شديدة على الباب.. العجوز يحمل عصاه و يتقدم نحو الباب غاضبا:اللعنة عليك..و يفتح الباب.. يواجهه قائد العسكر بنرفزة .. يقتحم الباب..يفتش الداخل بعينيه الجاحظتين الزرقاويتين و هو يزأر بلسان عربي متلعثم:
- هل مر أحد من هنا؟يجيب العجوز و قد بلل جبهته الندى:لم نشاهد شيء سيدي ، لكني سمعنا وقع أقدام راكدة فوق السطح منذ فترة و كانت متجهة نحو الغرب.. هل تطاردون أحدا في هذه الليلة الممطرة؟
تقول إنها اتجهت نحو الغرب ..
أجل سيدي، و أشار بعصاه، في هذا الاتجاه..
لقد تملكنا الخوف ولم نستطع الخروج خفنا أن يكونوا لصوصا..
يأمر القائد العساكر بالمواصلة البحث في اتجاه الغرب .. الكل يختفي.. العاصفة تخف.. الأمطار استحالت رذاذا و الرعد سكنه النعاس منذ مدّة..يغلق العجوز الباب.. يرنو إلى زوجته الملتفة في الفراش متنهدا:- الحمد لله ما زال في العمر بقية.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية