قصص قصيرة

قصص تجمع بين التجريب و السفر بين المغامرة و الرقة المتفتحة بين الاكتشاف و البحث في المبهم بطلها هلامي فهو تارة انهزامي غارق في السوداوية وهو تارة أخرى اندفاعي يمجد الانتماء و التألق و في كثير من الأحيان يتبدد تاركا مكانه للمكان ثم الزمان..

4/29/2008

الكابوس - سيناريو قصير-

1. المشهد داخلي . شقة / غرفة نوم . صباحا

غرفة نوم مظلمة.

يسمع صوت أنين ، ثم صراخ.

الصوت

النجدة... النجدة.

تنار الغرفة . فينكشف ديكورها البسيط . سرير انفرادي ، خزانة ملابس ثلاثية الأبواب ، مرآة حائطية دائرية الشكل ، خزانة في وسطها تلفاز و جهاز فيديو و بعض الكتب و إطارين صغيرين لصور شيخ و زوجته بملابس عراقية و صورة لصاحب الغرفة ( شاب في الثلاثين ، أبيض البشرة ، بشارب صغير أسود ، حليق الذقن ، مسرح الشعر بملابس صيفية ضاحك القسمات و خلفه موقع أثري في بابل.يظهر الشاب بثياب النوم ، مقتعدا سريره مفزوعا من هول الكابوس الذي عاشه.

الشاب

( متنهدا الصعداء )

الحمد لله.. كان مجد كابوس .

ينظر الشاب إلى المنبه بجانبه على مائدة الليل.

الساعة تشير إلى السابعة إلا ربع.

يتمطط الشاب .. يتتأب ، وهو يقرأ وريد الصبح .. ينهض ، و يخرج من الغرفة.

قطع

2. المشهد داخلي . شقة / الحمام . صباحا

الشاب تحت المرش يأخذ حماما دافئا.

يتوقف المرش من إنزال الماء .

يغادر الشاب الحمام .

تخرج من المرش قطرتين من الماء ، ثم قطرة من دم . ببطء تهوي إلى البلاط و تختلط مع الماء متحللة .

3. المشهد داخلي . شقة / مطبخ . صباحا .

المطبخ صغير بتأثيث بسيط .

يحمل الشاب و قد ارتدى ثيابا شتويا ابرق القهوة ، يملأ فنجانا كبيرا ، يضع الإبريق ، يضيف إلى القهوة ثلاث معالق سكر ، يحمل الفنجان و طبق بسكويت ممتلئ ، و يغادر المطبخ قاصدا غرفة نومه.

4. المشهد داخلي . شقة / غرفة النوم . صباحا

يدخل الشاب الغرفة يضع فنجان القهوة و الطبق فوق الطاولة ، يحمل جهاز التحكم عن بعد ، ويشغل التلفاز . يقتعد السرير متناولا فطوره.

لا شيء يبث في التلفاز ، الشاشة مشوشة ، نقاط بيضاء لا غير .

الشاب مستغربا يغير القنوات . نفس الشاشة تتكرر .

الشاب

( مستغربا )

ماذا يحدث ، هل أغلقت كل القنوات أم ماذا؟

النقاط البيضاء في الشاشة تتخللها بعض النقاط الحمراء.

يوقف الشاب التلفزة ، ويتناول فطوره.

ينظر إلى الساعة .

إنها السابعة و عشرون دقيقة.

الشاب

آه ، لقد تأخرت !

ينهض مسرعا ، يفتح خزانة الملابس ، يتناول معطفا شتويا. يغلق باب الخزانة . يرتدي معطفه ناظرا إلى المرآة. يحمل محفظته المتواجدة فوق الخزانة ، ويخرج.

5. المشهد داخلي . العمارة / رواق .صباحا

إضاءة الرواق خافت.

يخرج الشاب من شقته ، يغلق الباب بالمفتاح ، و ينزل الأدراج.

أثناء النزول تبدأ الإضاءة تقل . لا يسمع إلا صوت وقع قدمي الشاب على البلاط.

فجأة ، يقف الشاب و قد بدأ يتسلل إلى دواخله القلق. ينظر إلى أعلى فلا يرى أحد. ينظر إلى أسفل نفس المشهد يتكرر. يتصنت بتركيز. لا صوت ، إنه السكون المطلق.

الشاب

( مستغربا )

سبحان الله .. كأن العمارة خالية على عروشها !

يعاود النظر إلى ساعة يده.

الساعة السابعة و النصف.

الشاب

ما الأمر ؟ ربما ساعتي عاطلة .. سأنزل و أرى.

يهبط الشاب الأدراج . يقصد مخرج العمارة.

يقف الشاب عند أخر آخر الدرج وقد زاد اضطرابه وقلقه .

الظلام الدامس يحجب الرؤية خارجا .

الشاب

ما الأمر ؟ هذا غي طبيعي !

في حذر ، و بخطى بطيئة يتقدم الشاب نحو باب العمارة الرئيسي. يقف عند الحافة. يطل برأسه نحو الخارج.

الشاب

( باندهاش )

لاشيء ! سبحان الله .. ماذا حل بالمدينة ؟

ببطء و حذر يتقدم خارج العمارة ، ويقف محدقا في استغراب وقلق في ما حوله.

السواد في كل مكان .

الشاب

كأني واقف في فراغ !

يتقدم الشاب خطوات ضاربا الأرض من تحته ليتأكد من وجودها . يسمع صوت وقع قدميه جيدا وصداه يتردد.

الشاب

( بقلق )

ماذا حدث هنا يا إلهي ؟

يتقدم الشاب وهو لا يرى إلا ذاته.

الشاب

( مناديا بصوت مرتفع )

أووووويي.. هل من أحد ؟

يتردد صدى صوت الشاب مبتعدا.

الشاب

هل يسمعني بشر ؟

يتردد الصدى وحده مبتعدا .

يقف الشاب ، و يلتفت. العمارة اختفت .ابتلعها السواد الدامس.

الشاب يقف منفردا يحيط به السواد و الصمت من كل جانب .

الشاب

( وقد اشتد فزعه)

ما الأمر.. ماذا يحدث هنا يا أ الله ؟

يدور الشاب في مكانه مفزوعا وهو يصرخ .

الشاب

هل من أحد.. هل يسمعني إنس أو جان ؟

يدع الشاب محفظته تسقط ، وينطلق راكضا.

بعد برهة يتوقف .

الظلام و الصوت في كل مكان .

فجأة ، يتناهى إلى السمع صوت هدير هائل آت من بعيد .

يصخ الشاب السمع.

الشاب

( قلقا )

ما هذا ؟ كأنه ..كأنه .. موج .. أجل موج !

رويدا ، رويدا يرتفع الهدير مقتربا.

يلتفت الشاب وقد حدد اتجاه الصوت.

الشاب

( قلقا و ممعنا النظر في اتجاه الصوت)

يا إلهي ما هذا ؟

تسقط على جهة الشاب قطرة دم . يتحسس الشاب جبهته بيمناه. ينظر إلى أصابعه وقد تلطخت بالأحمر القاني.

بفزع يعاود تحسس جبهته.

الشاب

( مفزوعا )

دم .. من أين جاء هذا الدم .

يحدق إلى أعلى .. فلا يبصر إلى السواد .

الهدير الهائل يرتفع مقتربا .

فجأة ، تظهر موجة هائلة حمراء قانية مرتفعة أمامه ، مخترقة السواد و مصحوبة بدوي انفجار و رعود.

يقف الشاب في مواجهتها مفزوعا ، مشدوها ، مشلول الحركة.

في لمح البصر تصدمه الموجة و تحمله في طريقها.

قطع

6. المشهد داخلي . شقة / غرفة النوم . ليلا

الغرفة يتسلل إليها نور خافت قمري من النافذة المفتوحة على الخارج.

الشاب يستيقظ من نومه مفزوعا ، يتصبب عرقا .

يمد يده ، ينير المصباح ، يقتعد سريره ، ينكشف الغطاء عن جدعه العاري. يتفقد الغرفة . يحدق في المنبه.

إنها الواحدة ليلا.

يمد يده إلى قنينة الماء المتواجدة بجانب المنبه . يشرب مرتويا .

الشاب

( متنهدا الصعداء )

الحمد لله .. كان مجرد كابوس .

يمد الشاب يده نحو الحائط خلفه ، يضغط على الزر ، ف تشرع مروحية تهوية معلقة في السقف في الدوران.

الشاب

( ماسحا عرق جبهته بساعده الأيمن)

الجو حار هذه الليلة.

من فتحة أنفه اليسرى يسيل رعاف خفيف . يمد الشاب أصبعه و يتحسسه.

الشاب

( متذمرا )

اللعنة ، إني أرعف من جديد !

قطع

7. المشهد داخلي . شقة / الحمام . ليلا

يقف الشاب عند المغسل ، متصفحا أنفه النازف في المرآة.

من علبة الإسعافات المعلقة بجانب المرآة ، يسحب الشاب قنينة دواء سائل وقطعة قطن طبية.

يفتح القنينة و يصب الدواء على القطن . يسد فتحة أنفه بالقطن ، و يتفحص أنفه جيدا في المرآة.

يتأمل وجهه في المرآة وكأنه يكتشفه لأول مرة. يلاحظ الهالة الداكنة المحيطة بعينيه و اصفرار بشرته.

الشاب

( مندهشا )

من يراني يعتقد أني مريض و العياذ بالله !

قطع

8. المشهد داخلي . الشقة / غرفة النوم . ليلا

يستلقي الشاب في سريره . يحدق قليلا في الخارج من خلال النافذة .

السماء صافية ، و القمر بدر. السكون يرافق حركة المروحة .

يمد الشاب يده و يطفأ المصباح.

فجأة ، يعاود الشاب إنارة الغرفة . يقتعد السرير ، يتحسس أنفه ، الرعاف يعاوده من كلتا فتحتي أنفه.

الشاب

( متذمرا )

اللعنة .. الرعاف مرة أخرى !

قطع

9. المشهد داخلي . شقة الشاب . ليلا

يغادر الشاب غرفة نومه متجها بسرعة نحو الحمام و هو يضغط على أنفه.

يدخل الحمام . يقصد المغسل . يفتح علبة الإسعافات . يسحب قنينة الدواء و كيس القطن الطبي.

بينما هو يحضر الدواء بخفة ، تبدأ عينيه بالنزيف.

الشاب

(فزعا)

ما هذا يا إلهي ؟

يحدق الشاب في المرآة .

الشاب

مستحيل .. كيف يحدث هذا ؟

نزيف عينيه يضاف إليه فجأة نزيف من أذنيه.

قنينة الدواء تسقط متدحرجة في المغسل مراقة . فيسارع الشاب بانفعال إلى التقاطها غير أن ألما حادا ، مباغتا في بطنه يجعله يجثم على ركبتيه يتلوى ، ثم يتقيأ دما .

أرضية الحمام تتحول إلى بركة دم .

يصيح الشاب متألما.

ينزف الدم من كل كيانه.

يتمسك الشاب بالمغسل محاولا الوقوف ، غير أن قواه تخونه فيسقط مستلقيا على بطنه .

يشعر الشاب بالاختناق ، يحاول الصراخ ، فلا ينبعث منه غير حشرجة خافتة.

يزحف بصعوبة نحو الباب ، و قبل أن يصل ينهار مغما عليه.

قطع

10. المشهد داخلي . مستشفى / غرفة الإنعاش . ليلا

يفتح الشاب عينيه فزعا ، متصببا عرقا فاغرا فاه .

إنه مسجى في سرير الإنعاش ، في مستشفى ، في بغداد وهي تتعرض لقصف جوي عنيف.

نهاية

أوراق ليلة أرق

. المشهد داخلي. منزل خالد/ المكتب. ليلا

المكتب غرفة صغيرة مؤثثة بمكتب بسيط فوقه آلة كاتبة قديمة وبعض الكتب المبعثرة، فنجان قهوة، وخلفه مكتبة صغيرة من أربعة رفوف بها بعض الكتب مختلفة الأحجام. الجدران مزينة بإطارات صور المخرج صلاح أبوسيف، هتشكوك، المفكر مالك بن نبي، والعقاد.
في مقابل المكتب وقف خالد(شاب في الثلاثين، أسمر، بشنب أسود كثيف ولحية قصيرة بها بعض الشيب، متوسط القامة، يرتدي بذلة رياضية ونعل صيفي) مستندا على حافة نافذة مطلة على الشارع، وهويتأمل الشارع مدخنا سيجارة.
يسمع صوت حركة الشارع.
يلتفت خالد. ينظر إلى آلة الكتابة متأملا.
الآلة الراقنة تحوي ورقة بيضاء كتبت عليها فقرة صغيرة.
يدخن خالد مفكرا. ينظر إلى ساعة يده.
الساعة تشير إلى التاسعة وخمس دقائق.
خالد
(متحسرا)
ساعتان.. ولم أضف حرفا.. ما الأمر
يا خالد؟ هل جمدت أفكارك أم ماذا؟
يدخن خالد ما تبقى من اللفافة. يلقيها أرضا ويسحقها بحذائه ويقصد المكتب.
يقتعد الكرسي. ينظر إلى الورقة قارئا ما كتب في صمت.
نقرأ في السطر الأخير من الفقرة.
"كل الدلائل تشير إليه، هو، الحائر في وضعه، التائه في محيط لم يخطر بباله أن يترك وحيدا في لججه يغرق ببطء."
خالد
(بصوت مسموع،
وهويتمطط)
أن يترك وحيدا في لججه يغرق
ببطء.. ببطء.. وماذا بعد يا خالد؟ هل
ستتركه يغرق أم تنقذه؟
يسمع دق على الباب.
خالد
(وقد ارتخى في جلسته
وشبك أصابع يديه خلف
رأسه)
أدخلي، الباب مفتوح!
يفتح الباب. فتدخل زوجته سعاد (25 سنة، متوسطة القد والجمال،
ترتدي تنوره شتوية فضفاضة وخمارا) وفي يدها فنجان قوة ساخن،
خلفها طفلها الصغير فريد (4 سنوات) وهويمسك بتنورها.
سعاد
(متوجهة نحوالمكتب)
لابد أن قهوتك قد بردت!
خالد
(مبتسما، دون أن يغير
وضعية جلوسه)
ومنذ زمن.. المشكل أن فكري بذاته برد!
تلتفت سعاد وتقف بجانب خالد محدقة في الورقة.
سعاد
(مستغربة)
لم تضف حرفا.
يستلم خالد الفنجان من يد زوجته، يرتشف جرعة.
خالد
(ناظرا إلى فريد، وهويفتح كتابا من فوق المكب ويتصفحه)
أجل.. كأن الكلمات رحلت بعيدا، بعيدا!
تنتقل سعاد خلف خالد، وتشرع في دلك كتفيه.
سعاد
(مبتسمة)
تحتاج لبعض الإلهام.. أعتقد أني أتيت في الوقت المناسب
الطفل فريد يترك الكتاب، ويقترب من خالد وعينيه تقع على الآلة الكاتبة.
فريد
(متسائلا)
أبي هل ستشتري لي دراجة؟
خالد
(مبتسما)
غدا، أشتري لابني (يمد يده، ويحمل الطفل، ويوقفه فوق فخذيه في مواجهته.) دراجة!
فريد
(فرحا)
مثل دراجة كمال!
خالد
(مقبلا فريد)
بل أجمل منها.. لكن بشرط ألا تكسرها!
سعاد
هذا ما لن يستطيع الوفاء به يا عزيزي.
يحضن خالد ولده. ويقوم متجها صوب المخرج.
سعاد
(مستغربة)
ماذا تفعل؟ ألا تكمل قصتك؟
خالد
(ناظرا إلى ساعة يده)
لا.. إنه وقت الأخبار، ثم إني جائع!

2. المشهد داخلي. منزل خالد/ الصالون. ليلا

الصالون قاعة واسعة مؤثثة بديكور مغربي.
خالد مستلق عل سرير يشاهد التلفاز، وبجانبه الطفل فريد جالس القرفصاء مشغول بتفكيك مسدسا بلاستيكيا. صوت جرنيك الأخبار بقناة الجزيرة.
المذيعة تذيع خبرا عاجلا عن قصف العاصمة بغداد.
مشاهد القصف.
تلج سعاد الصالون وفي يدها أدوات حياكة صوفية.
تجلس بجانب رجلي خالد مشاهدة التلفاز.
سعاد
(بتأثر وأسف)
بدأت الحرب إذا.. يا للمأساة!
خالد
(متابعا الأخبار باهتمام)
أجل، الأوغاد بدؤوا بالقصف!
على شاشة التلفزة تبث صور للقصف.
سعاد
قلت لك أن الحرب واقعة لا محالة.
خالد
(يقتعد السرير بحنق)
هذه المرة لن تسلم الجرة.. الحرب لن تضع أوزارها إلا بسقوط بغداد.. إنهم عازمون على ما بدؤوه من قبل.. الملاعين!
الهاتف فوق التلفاز يرن.
يرفع الطفل فريد رأسه منتبها لرنينه، فينهض مسرعا نحوه.
الطفل فريد
الهاتف يرن يا أبي.
ينهض خالد. يتجه صوب الهاتف. يرفع السماعة.ينظر إلى زوجته ويشير لها بخفض صوت التلفاز.
تحمل الزوجة علبة التحكم عن بعد، وتخفض الصوت.
خالد
ألو.. نعم خالد معك.. من.. علي.. أهلا بك.. كيف حالك!
علي
(صوت)
كيف تريد أن يكون عليه حالي يا أخي يا خالد وأنا أشاهد الفاجعة!
خالد
لقد كان توقعك صائبا يا صاحبي.. كل المظاهرات والاحتجاجات لم تثن الأنذال عن عزمهم.
علي
(صوت)
يقولون أنهم استهدفوا صدام بستة صواريخ.. هل تعتقد أنهم نالوا منه؟
خالد
(متحصرا)
لا أدري.. ربما!
علي
(صوت بنرفزة)
لن ينالوا منه بهذه السهولة.. لابد أنه أخذ كل احتياطاته..
خالد
(متابعا شاشة التلفاز)
هذا أكيد.. ثم حتى وإن تمكنوا منه، فهذا لا يعني أن العراقيين سيستقبلونهم بالأحضان كما يتوقعون.. سترى كيف سيكون الرد.. إنها العراق يا صاحبي.. أولا تعلم ما تعنيه العراق!
علي
(صوت)
ماذا ستكتب غدا في عمودك؟
خالد
(ملتفتا إلى زوجته وهي تتابع الحوار)
سأكتب عن ما سيكتب عنا في صفحات التاريخ.
علي
(صوت بتحسر)
إنها مأساة.. حسنا نلتقي غدا في الجريدة.. سلام.
خالد
سلام.
يضع خالد السماعة.
ويسرع إلى موضعه. يحمل علبة التحكم عن بعد ويرفع صوت التلفاز.
قناة الجزيرة تبث آخر الأخبار.
يقترب الطفل من أمه، وفي يده مسدسه البلاستيكي.
الطفل
ماما.. أريد الذهاب إلى المرحاض.
تضع الأم معدات الخياكة جانبا، وتنهض مرافقة طفلها إلى الخارج.

3. المشهد داخلي. منزل خالد / البهو. ليلا

تخرج سعاد مصحوبة بطفلها فريد وتقصد المرحاض.
تفتح باب المرحاض، وتنير الكهرباء.
يسمع صوت جرس الباب الرئيسي.
تترك سعاد طفلها يدخل المرحاض، وتقصد هي الباب مستغربة.
تقرب من الباب.
سعاد
من الطارق؟
عبد المجيد
(صوت)
عبد المجيد.. هل خالد موجود؟
سعاد
(وهي تنظر من العين السرية)
أجل.. لحظة..سأناديه.
تتجه سعاد نحوالمرحاض.
سعاد
(بصوت عال)
خالد.. عبد المجيد يسأل عنك.
يخرج خالد من الصالون قاصدا باب المدخل، يمر بسعاد وهي تغلق سروال طفلها.
سعاد
يظهر أن اندلاع الحرب في العراق خلق حالة استنفار بينكم.
خالد
إنه العراق يا سعاد..
يفتح خالد الباب، فيظهر عبد المجيد (شاب في الثلاثينات، ملتح، يرتدي قميصا أبيض وطاقية) علامات التأثر والغضب بادية عليه.
عبد المجيد
(توثرا وبلكنة عراقية)
السلام عليكم أخ خالد.. آسف على الإزعاج.
خالد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. في الحقيقة كنت أنتظرك.. تفضل بالدخول.
غير أن عبد المجيد يحتضن خالد ويجهش بالبكاء.
عبد المجيد
لقد فعلوها يا خالد.. قصفوا بغداد..
خالد
(محتضنا عبد المجيد، ومواسيا)
ليست المرة الأولى يا أخي.. فقد قصفوها من قبل وبقيت بغداد هي بغداد.
عبد المجيد
(مبتعدا قليلا)
لكن هذه المرة الحال يختلف!
خالد
(رابتا على كتف عبد المجيد)
لن يكون أسوء من سنوات الحصار.
عبد المجيد
(بتوتر، وهويمسح عينيه المبتلتين)
القصف شديد.. وكما تعلم أهلي هناك!
خالد
أعلم..لنكمل حديثنا في الداخل.. تفضل بالدخول.
يتردد عبد المجيد قليلا. ثم يهم بالانصراف، وتوتره وقلقه يزداد.
عبد المجيد
بارك الله فيك.. أعتقد أن الوقت متأخر.. الأفضل أن أنصرف.. أجل، سأحاول الاتصال بوالدي.. أوبأخي، ربما أفلح في مكالمتهم.
خالد
اتصل بهم من هاتفي.. أرجوك تفضل بالدخول..
عبد المجيد
(منصرفا في توتر)
لا شكرا..الهاتف العام لا يزال يعمل..آسف على الإزعاج.. نلتقي غدا في النادي.
خالد
حسنا، ستجدني إنشاء الله في انتظارك.
يختفي عبد المجيد نازلا في الدرج. يدخل خالد متأثرا غالقا الباب من ورائه. تقبل نحوه زوجته مستفسرة.
سعاد
يظهر أنه قلق جدا!
خالد
(متجها في حزن نحوالصالون)
أجل، فوالديه وكل إخوته تحت القصف الآن.
سعاد
(وهي تحمل طفلها وترافقه)
كان الله في عونهم وعونه.
قطع

4. المشهد داخلي. منزل خالد / غرفة النوم. ليلا

غرفة نوم خالد يعمها الظلام. لا يسمع غير صوت عقارب الساعة الحائطية.
إنها الثالثة والنصف.
الطفل فريد في سريره نائما في الاتجاه المعاكس وقد تعرى. الزوجة تغط في النوم وهي مستلقية في اتجاه خالد. نور قمري خافت متسلل من النافذة يكشف عينا خالد المستيقظتان تحدقان في الساعة بشرود.
ببطء ينهض خالد. ينير مصباح الطاولة الخافت. يقترب من سرير طفله. يحمله بعناية ويعيده إلى وضعيته العادية مدثرا إياه جيدا. يرتدي نعليه ويطفأ المصباح.
يخرج من غرفة النوم منيرا البهو. يتجه صوب المطبخ متثائبا.
يفتح الثلاجة. يتناول زجاجة حليب منتصفة ويفرغها في جوفه كلية.
قطع

5. المشهد داخلي. منزل خالد /غرفة النوم. ليلا

سعاد منكشفة الوجه، نائمة تتمتم بكلمات غير مفهومة وهي تتصبب عرقا. تنقبض عضلات وجهها بانفعال. إنها تحلم بكابوس. فجأة تقتعد السرير مفزوعة.
سعاد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللهم إني أعوذ بك من كل طوارق الليل ونهار إلا طارقا يطرق بخير. إلا طارقا يطرق بخير.
تمد يدها إلى مصباح الطاولة وتنيره.تتناول قنينة الماء المتواجدة بجانبه والكأس ثم تملأ الكأس. تشرب ثلاث جرعات متتاليات. تعيد الكأس إلى مكانه. تنظر إلى الساعة.
إنها الخامسة إلا ربع..
تلتفت إلى مكان زوجها الفارغ. تحك رأسها وكتفها الأيسر. تتأب.
يتناهى إلى السمع صوت دقات الآلة الراقنة خافتا. تنهض مستغربة.
تتفقد طفلها، وتخرج إلى البهو.
صوت الآلة الكاتبة يقوى.
تتبعه سعاد في كسل. تقترب من باب المكتب المغلق. تدير المزلاج. تفتح الباب، وتطل برأسها إلى الداخل.
خالد جالس إلى مكتبه في ثوب نومه، سيجارة منتهية في فمه، منهمك في الرقن دون أن ينتبه لشيء آخر.
قطع

6. المشهد داخلي. منزل خالد / المطبخ. صباحا

ساعة الحائط تشير إلى الثامنة والنصف.
سعاد في لباس نومها بشعر مضطرب تنهي تحضير وجبة الإفطار.
عند الباب يظهر خالد مرهقا في ثوب نومه وهويسعل. يده اليمنى تقبض على ورق مرقون.
تلتفت إليه سعاد، وهي تقضم كعكة.
يحدق إليها خالد في صمت.
يمد يده اليمنى نحوها مبتسما.
سعاد
(مبتهجة)
وأخيرا أتممتها.. تهانينا..
النهاية